بقلم د . دينا حمدي
ليس كل ما يصيبك من حرارةٍ مرتفعةٍ وخمول يُعد إنفلونزا أو نزلة برد عادية، فإذا سمعت بانتشار هذه الأعراض وزاد عليك الوهن وضعف الإدراك مع الحرارة الشديدة، فاحترس واذهب فوراً لأقرب طبيب.تأكد من طبيبك أن حرارتك وفقدانك للوعي ليس بسبب الالتهاب السحائي ويطلق عليه أيضاً اسم التهاب السحايا.
إذا أُصيب طفلك الوليد بنزلةٍ شعبية أو التهاب رئوي، تأكد من عزله عن الخارج وعلاجه بطريقة صحيحة، تجنباً لتدهور الحالة والإصابة بالالتهاب السحائي.
ستعرض لك جميلتي كل ما يخص الالتهاب السحائي ومخاوفه وتشخيصه وعلاجه وأعراضه.
ما هو الالتهاب السحائي Meningitis؟
الالتهاب السحائي هو التهاب الأغشية المخاطية(سحايا المخ) المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي.
قد يكون الالتهاب السحائي مميتاً وقد يكون سهل الشفاء، يعتمد ذلك على سبب الإصابة أو نوع الجرثومة المسببة للعدوى.
قد يتسبب ظهور حالات العدوى في غلق العديد من المدارس ومساكن الطلاب للحد من انتشار العدوى وللوقاية منها حتى لا يتحول إلى وباء.
ما هي أنواع الإصابة بالالتهاب السحائي وما نوع الجراثيم المسببة للإصابة؟؟
تختلف الإصابة باختلاف نوع الجرثومة، وتعد العدوى البكتيرية أشد فتكاً عن غيرها من المسببات، إذ يتسبب في وفيات تصل ل 170 ألف حالة وفاة سنوياً وقد يتوفى ما يقارب ال20% في اليوم الأول لظهور الأعراض.
*العدوى الفيروسية viral infection:
- تعد الإصابة بالالتهاب السحائي الفيروسي بسيطة وسريعة التعافي، إذ إنها ليست مميتة مثل العدوى البكتيرية وقد تُشفى من تلقاء نفسها.
- أعراضها بسيطة تشبه أعراض الإنفلونزا أو نزلات البرد العادية، مثل: الصداع، التهاب الحلق، وقد يصحبها إسهال ومغص بالمعدة.
- تكون الإصابة بالعدوى بإحدى سلالات الفيروسات:
- مجموعة الفيروسات المعوية Enteroviruses: وبالأخص نوعين منها : الفيروسة الإيكوية Echovirus groups، والفيروس المسبب لمرض اليد والفم والقدم Coxsackie.
- Arboviruses الأربوفيروس.
- فيروس الهربس Herpes Virus: إذ يشمل فيروس الهربس نوعين: النوع الأول الذي يسبب التقرحات ويؤدي إلى الإصابة بالتهاب الدماغ، والنوع الثاني الذي يصيب الأعضاء التناسلية وغالبا يؤدي إلى الالتهاب السحائي.
- فيروس العوز المناعي البشري HIV ونقص المناعة الشديد.
- فيروس غرب النيل West Nile Virus: هو فيروس مميت يستهدف الجهاز العصبي وينتقل عبر لدغ الناموس الحامل للمرض، لم يُكتشف المصل لهذا الفيروس للإنسان ، ولكن تم اكتشافه للأحصنة فقط.
*العدوى الفطرية:
- يعد هذا النوع من العدوى غير شائع، لكنه يسبب الالتهاب السحائي المزمن وينتقل من شخص لآخر.
- من أشهر مسببات العدوى الفطرية هو فطر المستخفية المورمة Cryptococcus neoformans ويصاب به من يعانون من نقص المناعة الحاد.
*العدوى البكتيرية:
- يعد الالتهاب السحائي البكتيري أكثر أنواع العدوى شيوعاً وأكثرها فتكاً، فقد تصبح مميتة بين ليلة وضحاها إذا لم يتم التشخيص والبدأ في العلاج فورا حتى قبل ظهور التحاليل التفصيلية.
- تتسلل البكتيريا إلى الدم عن طريق عدوى الأذن والجيوب الأنفية وكسور الجمجمة أو العمليات الجراحية، تسير البكتيريا مع تيار الدم لتصل إلى المخ والنخاع الشوكي لتتسبب بالالتهاب.
>من أمثلة البكتيريا الخطرة التي تتسبب في الإصابة بالالتهاب السحائي:
*المستدمية النزلية Haemophilus influenzae:
- تتعدد هذه السلالة من البكتيريا لستة أنواع، نخص بالذكر هنا المستدمية النزلية من النوع ب Hib، وهو أخطرهم والذي يتسبب في الالتهاب السحائي خصوصاً عند الأطفال والعديد من العدوى المميتة.
- يحد التطعيم من العدوى ويقلل عدد الإصابات.
*المكورات الرئوية Streptococcus pneumoniae:
- يعد هذا النوع من البكتيريا هو الأشهر في عدوى الالتهاب السحائي عند الأطفال والرضع وكبار السن، إذ إنه يسبب التهاباً رئوياً ومن ثم التهاب السحايا.
- يتم تطعيم الأطفال بلقاح المكورات الرئوية عند الشهر الرابع والسادس من العمر.
*النيسرية السحائية أو المكورة السحائية Neisseria meningitidis:
- تتسبب هذه البكتيريا في عدوى الجزء العلوي من الجهاز التنفسي ومن ثم تُصيب بالالتهاب السحائي.
- تعد هذه المكورة شديدة الخطورة لما تسببه من عدوى سريعة وانتشار كبير، إذ إنها تنتقل عن طريق الرزاز والنفس والتقبيل.
- أكثر ما يميز العدوى بهذا النوع، ظهور طفح جلدي أو بقع حمراء أو وردية اللون؛ إذ تدمر البكتيريا الخلايا المحيطة بالشعيرات الدموية، فيتسرب الدم منها ويظهر على شكل طفح جلدي، وكلما زادت الحالة سوءاً، كلما أصبح الطفح واضحاً أكثر.
*الليسترية Listeria monocytogenes:
- تشتهر هذه البكتيريا بإصابة من يعانون من المناعة الضعيفة، مثل: كبار السن والحوامل والأطفال.
- توجد في الألبان غير المبسترة واللحوم المصنعة والتي لم تُطهى جيدا.
- تنتقل عن طريق السعال والعطس والاختلاط.
*المكورات العنقودية أو الذهبية staphyloccus:
- تتواجد هذه الجرثومة بشكل طبيعي وقد لا تتسبب في أي عدوى للأصحاء، لكنها تصير مميتة إذا وصلت لتيار الدم.
*المتفطرة السُلية Mycobacterium tuberclosis:
- هي البكتيريا التي تسبب مرض السل أو الدرن، وتصيب الأطفال ومرضى الإيدز لضعف مناعتهم.
- تستمر الإصابة بالالتهاب السحائي بسببها لأسبوعين وأكثر، لذلك يطلق عليه الالتهاب السحائي المزمن.
*ومن أسباب الالتهاب السحائي الأخرى: بعض أنواع السرطان، ومرض الساركويد.
إذاً ما هي أعراض الالتهاب السحائي؟ وكيف يتم تشخيصه طبياً؟
في البداية تشبه أعراض الالتهاب السحائي أعراض الإنفلونزا، ومن ثم تتدهور الحالة خلال ساعات أو أيام قليلة.
تختلف حدة أعراض السحايا حسبما كان المريض طفلا أو بالغا،
أعراض الالتهاب السحائي عند الأطفال وحديثي الولادة
- حرارة مرتفعة
- بكاء مستمر
- نوم أكثر من المعتاد
- خمول
- رضاعة قليلة
- ورم بالمنطقة الرقيقة أعلى الرأس
- قد يصل الأمر لتصلب جسد الرضيع
أما عن أعراض الالتهاب السحائي عند البالغين، تظهر كالآتي:
- حرارة مرتفعة مفاجئة
- صداع شديد
- اضطراب في درجة الوعي
- حساسية للضوء
- ضعف الشهية للطعام والشراب
- نوم مستمر وزيادة عن الطبيعي
- تشنجات
- طفح جلدي أو كدمات تظهر مع بعض الأنواع
- غثيان وقئ
فإذا شعرت بأي من تلك الأعراض، كيف يشخص الطبيب حالتك إذا كانت بالفعل التهاب سحائي أو عدوى أخرى؟
يبدأ الطبيب بتدوين الأعراض التي يشعر بها المريض تفصيلا مع ذكر أماكن التواجد سابقاً وقياس العلامات الحيوية بدقة كالنبض والحرارة والسكر، وفحص لون الجلد وحالة الأذن والحلق.
ثم يخضع المريض لعدة تحاليل للتأكد من نوع العدوى، ومن أمثلة هذه التحاليل:
- مزرعة الدم blood culture.
- الأشعة المقطعية Computerized Tomography.
- الرنين المغناطيسي Magnetic Resonance Imaging: للتأكد من عدم وجود أي ارتشاح.
- البزل القطني أو عينة النخاع الشوكي عن طريق Spinal Tap: يتميز هذا الاختبار بالدقة، إذ يتم أخذ عينة من السائل النخاعي Cerebrospinal Fluid، ليحدد الإصابة بأي نوع من أنواع البكتيريا، ويظهر السائل انخفاض بمعدل سكر وزيادة البروتين وأعداد كرات الدم البيضاء.
- اختبار التعرف على الفيروسات عن طريق Polymerase Chain Reaction: لأن كل كائن له حمض نووي مميز لنوعه، فتحليل هذا الحمض النووي يوضح نوع الجرثومة المُتسببة في العدوى، ويتميز هذا الاختبار بالدقة والحساسية إذ يمكن اكتشاف الفيرس قبل ظهور الأعراض.
- تتم عدة خطوات أولها أخذ العينة من دم المريض وفصلها في أنابيب الاختبار ثم تسخينها لدرجة حرارة معينة، لتمر بعدد من المراحل حتى يسهل مقارنة الحمض النووي للعينة بعدة أحماض نووية كمرجع.
>قد نُصاب جميعنا بالعدوى، لكن يدق ناقوس الخطر وتزداد فرصة العدوى مع عدة عوامل، منها:
- السن( الأطفال، وكبار السن).
- الحوامل.
- البيئة المحيطة( انتشار العدوى في البيئة المحيطة وعدم وجود التطعيمات).
- من يعانون من المناعة الضعيفة( مثل مرضى الإيدز، ومدمني الكحول، المدخنين، مرضى السكري).
- من يتناولون أدوية لتثبيط المناعة( مرضى السرطان، والكورتيزونات).
- الازدحام( الأماكن التي يتواجد بها عدد كبير من الناس باستمرار، مثل: الثكنات العسكرية والمدارس والجامعات) بسبب سهولة العدوى.
ما هي المضاعفات المصاحبة للالتهاب السحائي إذا لم يتم التشخيص والعلاج سريعاً؟؟
- فقدان الذاكرة والتركيز.
- تشنجات.
- فقدان التوازن واختلال توازن الحركة.
- الالتهاب الدماغي والغيبوبة.
- انتشار الجلطات بداخل الأوعية الدموية.
- طنين الأذن وفقدان السمع.
- فقدان النظر.
- الاستسقاء والارتشاح على المخ.
- الانصباب تحت الجافية subdural effusions.
- التهاب المفاصل.
- الصداع النصفي.
- الموت.
من هم الأكثر عٌرضة للإصابة بالتهاب السحايا؟
1- أمراض الجهاز المناعي تجعلك أكثر عٌرضة للإصابة بكل الأمراض ومنها مرض التهاب السحايا مثل: الإيدز، وإذا تعرضت لاستئصال الطحال لأي سبب يٌفضل تناول تطعيمات ضد التهاب السحايا.
2- الحمل يجعل المرأة أكثر عُرضة للإصابة بنوع من أنواع البكتيريا المسببة للالتهاب السحائي وهي الليستيريا مثلما ذكرنا في الفقرات السابقة؛ لذلك يجب توخي الحذر بالنسبة للحوامل لأن خطر الإصابة بهذا النوع من البكتيريا يسبب الإجهاض أو الولادة المبكرة.
3- كبار السن والأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة مثل: مرض السكري.
4- الأطفال أقل من 5 سنوات معرضين للالتهاب السحائي الفيروسي أما من هم فوق ال 5 سنوات أكثر عرضة للالتهاب السحائي البكتيري.
5- عدم تلقي اللقاحات أو عدم تناول الجرعات كاملة يجعلك أكثر عرضة لالتهاب السحايا.
وسائل الوقاية من الالتهاب السحائي
- ما لا تعرفه عن التهاب السحايا أن التطعيم يُعد هو السبيل الوحيد للوقاية من عدوى الالتهاب السحائي وتخفيف حدة الأعراض والتبعيات إذا تمت الإصابة.
- تتكون التطعيمات من أنواع البكتيريا المسببة للإصابة وتكون ضعيفة أو ميتة.
- تحفز هذه التطعيمات الجهاز المناعي للجسم، ليُنتج الأجسام المضادة التي تزيد مناعة الجسم عند التعرض للإصابة.
- تتوفر التطعيمات ضد ثلاث أنواع من البكتيريا وهم:
المكورة السحائيةmeningiococcal disease
المكورة الرئوية pneumococcal meningitis
المستدمية النزلية haemophilus influenza B
*التطعيمات الخاصة بالمكورة السحائية:
هي التطعيمات المضادة لبكتيريا النيسرية السحائية، وهو نوعين:
1- لقاح المكورة الرئوية متعدد السكريات، يستخدم للأطفال الأكبر عمراً من الرضع، والمراهقين، والبالغين.
يحد هذا اللقاح من انتشار العدوى ونقلها بين المسافرين، وبين معتادي الأماكن المزدحمة مثل الثكنات العسكرية والجامعات.
وله ثلاثة أشكال: اللقاح المركب أ\ ج، و مجموعة اللقاح المركبة أ\ ج\ و 135، والمكورة السحائية ب.
2-التطعيمات المتسلسلة التي تؤخذ كتطعيمات روتينية للرُضع والمراهقين، وهي نوعين: مجموعة اللقاح أ\ ج\ و135 ، لقاح المجموعة ج.
*التطعيمات الخاصة بالمكورة الرئوية Pneumococcal:
-هو كذلك مجموعة من التطعيمات الروتينية متعددة السكريات المضادة للمكورة الرئوية.
-تستخدم هذه اللقاحات مع الرضع وكبار السن ومن يعانون من ضعف المناعة الشديدة.
*التطعيمات الخاصة بالمستديمة النزلية:
-تستهدف هذه اللقاحات النوع ب من المستديمة النزلية.
– تؤخذ اللقاحات على مراحل في عمر الشهرين والأربعة أشهر والستة أشهر والثمانية عشر شهرأ.
ما هو العلاج اللازم في حالة الإصابة بمرض الالتهاب السحائي ؟
– تعتمد بداية العلاج على حالة المريض، يشرع الطبيب في سؤال المريض أو المرافقين له عن كل الأعراض التي ظهرت، ومن ثم يعاين الطبيب كل العلامات الحيوية.
– إذا كان المريض يعاني من حالة صدمة وضغط دم منخفض، يخضع لتناول المحاليل الوريدية لتغذيته وإعادة ضغط الدم لمستواه الطبيعي.
– في حالة فقدان المريض للوعي وبدأت التشنجات، يجب تأمين المجرى التنفسي والتأكد من مستوى الأكسجين في الدم.
– جمع عينات التحاليل سريعا، البزل القطني والسائل النخاعي.
– يظل المريض تحت ملاحظة الأطباء لمدة 8 إلى 12 ساعة، ثم يُعاد جمع العينات النخاعية مرة أخرى.
-إذا صار السائل النخاعي طبيعياً ومستوى الجلوكوز به طبيعياً، يؤكد الطبيب إن العدوى ليست بكتيرية وبالتالي سيُشفى المريض سريعاً، وقد تستمر الأعراض إلى خمسة أيام ويبدأ التحسن.
-أما في حالة الإصابة بإحدى أنواع البكتيريا الثلاثة الخطيرة، فعادة يبدأ العلاج بالمضادات الحيوية الوريدية سريعاً، ولكن للأسف غالبا ما يتوفى المريض سريعاً
– أما عن المضادات الحيوية المستخدمة في علاج التهاب السحايا، يعتمد اختيار المضاد الحيوي على عمر المريض ونوع البكتيريا المُصاب بها، على النحو التالي:
من عمر يوم إلى شهر: أمبيسيللين+ سيفوتاكسيم
من عمر شهر إلى الخمسين عاما: فانكوميسين+ سيفوتاكسيم
أكبر من خمسين عاما: فانكوميسين+ أمبيسيللين+ سيفترياكسون
في حالة الإصابة بالبكتيريا الليسترية: يُضاف الأمبيسيللين مع غيره من المضادات الحيوية
في حالة المناعة شديدة الضعف: فانكوميسين+ أمبيسيللين
كسور الجمجمة: فانكوميسين+ سيفوتاكسيم
الجراحات العصبية وإصابات الدماغ: فانكوميسين+ سيفيبيم أو سيفتازيديم